05 January 2008

فن النحت: فن صناعة الإنسان - الجزء الأول

فن النحت: فن صناعة الإنسان الجميل

كغيري كثير من الناس, انبهرت لرؤيته أول مرة, ولفوري أدركت أنه يخفي وراء هذا الشكل المبهر الكثير والكثير
حاولت أن افهم مايدور في نفسه, أن أكتشف دخيلته علي حقيقتها, ولكني لم أستطع. حاولت مرة أخري أن أستكشف كنهه, ولكن مظهره المتأنق وسلوكه منعاني من القدرة علي النفاذ للرجل.

غاضبا... أخذته لمعملي.. أوقفته علي منصة امامي ونظرت إليه نظرة فاحصه لأجد – مجددا- هيئه رائعة الكمال.

جن جنوني... أمسكت بالمدية ... ونعم! شققت عن قلبه ثم أمسكته بيدي متفحصا.... ولكن غضبتي كانت قد أعمتني أن أري شيئا في هذه المضغه.

محاولا تبني إسلوبا علميا في التفكير, هممت- بعد أن قسمته لأجزاء- أن أضع كل جزء منه في مكان:

· فها هو الجسم أمامي علي المنضدة
· وها هو العقل- الله ما أجمله- فلنضعه في هذه القارورة بمفرده
· وها هي النفس أو الروح

حسنا هاهي ضالتي.. نعم: هاهي نفسه وإن شئت قل روحه..... وعلي منصة مستقلة وضعتها, وسلطت عليها أضواء كاشفة, وفي الجانب الأخر من المنصة أحضرت كرسيا وجلست لأتامل ما أري.

أحسست لأول وهله أني أمام تحفه فنيه رائعة الجمال... وفي غمرة النشوة بما توصلت إليه أخذت أقترب شيئا فشيئا... ولكن للمفاجأة, كنت كلما أقتربت رأيت شيئا لم أكن أراه عن بعد. وعندما كنت أقرب ما يكون, كانت المفاجأة في ذروتها... فهذا الإنسان الرائع أو هذه التحفه الفنية بها الكثير من الخدوش والكسور منها الظاهر ومنها ماهو بحاجه للتدقيق لتراه.... خدوشا لو وضعت في جسم إنسان لكانت جراحا غائرة لا يمحي آثارها الزمان.

أطرقت متأملا ما أري... وفي إطراقتي سمعت صوتا يقول "نحتتني الأيام". أعرته مسامعي وهو يقول: "عندما جئت لهذه الدنيا, وضع أبواي الإطار العام لما تري, قل إن شئت موروث كبير من العادات والتقاليد والخلق والدين والفن والذوق هي البناء الأساسي لما تري, ولا تعجب فأنت ايضا مثلي وكل إنسان كذلك, مجموعه متباينه أو مزيج من هذه المجموعه التي ذكرتها لك"
سألته قائلا "وماذا عن هذه الكسور والخدوش"
فرد قائلا "هم أناس قابلتهم... كان لكل منهم دور في تشكيل أو تحطيم جزء مني.... انظر مثلا لهذه الأذن أتراها جميله ؟؟"
فقلت: نعم أراها متقنة الصنع
أجل ياصديقي,إنها من صنع من علمني الفرق بين الجيد والقبيح من القول أو اللحن. أتري هذا القلب؟؟
قلت: نعم
سألني هل تفحصته جيدا؟! ....حسنا دعني أريك شيئا... هل لاحظت بياضه؟؟ هل لاحظت حجمه؟؟ أكبير هو أم صغير؟؟؟ أبه آثار جراح؟؟؟؟ أرقيق هو أم قاسي و صلب؟؟
هل دققت النظر في عيني؟؟ أتري كم هي جميله؟؟؟؟ صنعها من علمني انتقاء ما أقرأ وما أنظر إليه؟
ألا تعلم أن هوايتي المفضله هي الإستمتاع بتلك المنحوتات التي يحملها الناس بين أجنابهم أري اللسان الطويل في الرجل السباب, والعقل الكبير في الشخص المفكر, وقصر النظر عند ضيقي الأفق, وسعة الصدر في كل حليم.
مبتسما سألني: ألم تلاحظ طول أنفي؟
انفجرت ضاحكا وأنا أقول: بنوكيو
خجلا وقد وضع ناظريه في الأرض قال: نعم كنت كذابا ثم نظر إلي وقال "ولكني والله تبت"

أتري هذه الندبه في عنقي؟؟؟ إنها آثار مدح طربت له حتي كاد أن يقطع عنقي...
فها أنا ذا .. الإنسان... به ما قد يروقك وبه ماهو جميل... لكن به ايضا ما قد يغضبك, بل ويغضبني أحيانا... لكني لا أري اكتمال عنقي بغير هذه الندبه... ولا أقبل قلبي بغير هذا الجرح ولا عقلي الذي لم تنظر إليه إلا بعلامات الإستفهام تلك المرسومة عليه...
فهلا تجرأت أنت ونظرت في دخيلتك!!!
هل تري إعواجاجاتك, وعيوبك, وجراحك؟
وإن كنت تراها... أتراك تحبها وتقبلها؟؟ ام أنك ترهق نفسك بتجاهلها وإنكارها؟ وإذا نظرت ياصديقي بداخلك... هل أنت سعيد بما تري؟
وإن لم تكن سعيدا بما تري... تراك ستظل هاربا من نفسك... إلي متي؟